الاثنين، 17 يناير 2011

كفى بزين الهاربين واعظا لكم يا عرب>>> بقلم : فاضل الاحوازي

جاء إلى قصر الرئاسة في تونس قبل ثلاث و عشرين سنة ، و وجد فيه شيخا طاعنا في السن لا يعرف إن كان موجودا على هذه الحياة الدنيا أم أنه في عالم البرزخ ينتظر سماع بوق إسرافيل .
و بعد أن همس في أذنه كهمس الشيطان لابن آدم حمل ذلك الشيخ و ألقى به بعيدا في طيات صفحات التاريخ المهملة ، و التي قلما يقرؤها المواطن العربي . بعدها جلس على العرش الذي لم يورثه أبوه واعدا بحياة جديدة و مستقبل جديد و مغاير . وعد بفتح نوافذ و أبواب للحريات العامة، و توفير فرص العمل لشباب الوطن الذي دبرت ظهره أسواط الغربة . وعد بأنهار من العسل المصفى و بتعبيد الطرقات الى الجنة لكل تونسي .
و مضى الزمن سريعا بالنسبة له لشدة سعادته فيما هو فيه من التقلب بالنعيم و بطيئا بالنسبة للشعب المكمم و المقهور، و كلما طال الانتظار كبر الأمل بغد أفضل . إلا أن الأحوال كانت تسير من سيء إلى أسوأ و عاف الناس الإنتظار و غدا الأمل سرابا لا يمكن الوصول إليه
و يولد جيل جديد يتعلم و يدرس في الجامعات و يتخرج ، و لا يعرف إلا الله في السماء ، و شين الحاكمين على الأرض .
عاش هذا الجيل بين مطرقة النظام التي لا تنفك تلاحقه حتى في أحلامه ، و بين سندان الفقر ومطرقة البطالة حتى صار علامة فارقه تميزه عن غيره من خلق الله . و بقي الحال على ما هو عليه حتى جاءت الشرارة محمد البو عزيزي ، و الذي تخرج من الجامعة فرحا مسرورا آملا برفد وطنه بالعلوم التي حصل عليها و ليساهم في بناء هذه الأمة ، و لو بلبنة صغيرة إلا أنه لم يجد أمامه إلا أبوابا موصدة ، و لم يجد لطلباته في العمل إلا آذانا صماء ، فالتجأ إلى العمل على بسطة متجولة بكل تواضع ليعيش هو و أسرته طالما أن الدولة لا تريد منه المشاركة في البناء ، و مع ذلك لم يتركه جلادو النظام يعتاش


بالدريهمات القليلة التي يتحصل عليها نتيجة هذا العمل ، فقامت مطرقة النظام بمصادرة مصدر رزقه بعد أن سامته ألوان العذاب .
و هنا كانت اللعنة التي حلت بصاحبنا شين الحاكمين .
قام البوعزيزي بإشعال الشرارة الأولى في محرقة الظلم و الإستبداد ، إلا أنها كانت شرارة مختلفة كليا . لقد أشعل الشرارة بجسده النحيل ليكون منارة يهتدي بها كل من نشد الحرية ، و ليعلم من يسير على هذه الدرب أن سلعة الحرية غالية لا يعدلها ثمنا إلا الحياة نفسها .
و بعد أيام إنطفات الشرارة بعد أن إطمأنت أنها أشعلت أربعة و عشرين بيدرا من النيران المقدسة و على عدد الولايات التونسية , و أحس شين الحاكمين بوهج نار الحرية تلفح وجه نظامه الكالح، ضرب الكثير، فقتل و جرح و نكّل و سجن إلا أن الأمر كان أكبر منه ، فطالع شعبه بوجه مصفر و كلمات مبعثرة و لسان متلعثم يهيل عليهم الوعود و لا يكيلها لهم ، إلا أن الشعب حسم أمره و قال كلمته و قضي الأمر
وعد بمحاسبة المسؤولين و لسان حال الشعب يقول أنت المسؤول الأول ، أقال وزير داخليته و لسان حال الشعب يقول أنت أولى بالاستقالة ، عزل مستشاريه و لسان حال الشعب يقول أنت كبيرهم الذي علمهم السحر ، ضاقت عليه الأرض بما رحبت ، فوعد بكسر قاعدة الأبدية في الحكم و كأنه عطاء من عند نفسه يمن به على أصحاب الوطن و طلب مهلة لانتهاء ولايته في 2014 إلا أن الشعب لم يمهله أربع عشرة ساعة ، و بعد أن تيقن أنه هالك بفساده لا محالة قال لنفسه سآوي الى الغير يعصمني من هذه الغضبة ، إلا ان الرد كان جاهزا من على زمن سيدنا نوح عليه السلام و لايزال الى يوم ا لدين عندما قال لابنه " لا عاصم اليوم من أمر الله ". حزم أمره و حقائبه و طار على غير هدى ، لا يعرف الى أين يتجه و لمن يلتجأ حتى أن الفضاء ضاق به كما ضاقت به الأرض .
و من نزلت بساحته المنايا فلا أرض تقيه و لا سماء
فهاهي مالطا تسمح لطائرته بعبور أجوائها فقط دون أن يهبط بها ، و هذه فرنسا التي طالما تغنى بصداقته لها تشيح بوجهها عنه حتى دون أدنى اعتذار أو خجل . حتى جاء الفرج من المملكة العربية السعودية لا محبة بالضيف القادم و لكن أخذا بالحديث الشريف " في كل كبد رطبة اجر " أو " أن الطعن في الميت حرام "هل هناك ذلا و مهانة أكثر من هذا ؟
هل راجع شين الحاكمين التاريخ و قرأ فيه ظلم شاه إيران و عسفه ليقوم شعبه بثورته التي لم تهدأ إلا برحيله المذل . و ما قصة تشاوتشيسكو منه ببعيده بعد أن جوّع شعبه و قهره فما كانت النتيجة إلا أن يتم إعدامه و زوجته على إحدى المزابل الحقيقة لا المجازية .
ما الذي نستفيده من كل هذا ؟ أما بالنسبة للحكام العرب يجب أن ينظروا خلفهم إلى غيرهم من الحكام الذين هم سائرون على نهجهم و يأخذوا العبر من المصائر التي وصلوا إليها . و يجب عليهم أن يعلموا أن الشعوب مهما استكانت و مهما تعرضت للذل و القمع و الاستبداد فانها تمهل و لا تهمل و لا بد لها يوما أن تاخذ حقها بيدها ، و تقتص ممن ظلمها . فعليهم ( أي الحكام ) أخذ زمام المبادرة و اليوم اليوم لا غدا عليهم احترام شعوبهم و مد هذه الشعوب بأكسجين الحريات العامة و العمل الجاد لتوفير حياة كريمة لهذه الشعوب . عندها فقط سيعيش حاكمنا إلى الأبد و ان خطفه الموت فانه سيبقى خالدا في قلوب شعبه ذلك الشعب الذي يبادل الحب بالحب و العطاء بالوفاء .
أما بالنسبة إلى الشعوب العربية في أرجاء الوطن العربي فاني أرى أن في كل بلد بهذا الوطن هناك اكثر من عزوزي كامن ، و كأني أرى السواعد ترتفع مهددة ، و كأني أسمع أصوات الحناجر تهتف في وجه الجلادين و خائني الأمة و الأمانة أن كفى ضحكا على الذقون فما( بعضهم )إلا حفنة مرتزقة لا هم لهم إلا التسلط و السرقة و النهب و قد عاثوا في بلداننا فسادا و نهبوها لآخر رمق فيها حتى غدت جيفة تحوم حولها الغربان و أصبحنا نحن الشعوب في آخر الركب بعد أن كنا يوما في أوله و إن لم نستفق من غفوتنا و بقينا على ما نحن عليه فبطن الأرض خير لنا من ظهرها .
فاضل الاحوازي ...ahwazi_fadel@yahoo.com هذا البريد الالكتروني محمى من المتطفلين , يجب عليك تفعيل الجافا سكر يبت لرؤيته

0 التعليقات:

إرسال تعليق